الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
مـن جمـع متفرقـات الفضائـل وحاز أنواع الفواضل الصالح الرحلة الشيخ علي بن محمد الجزائرلي المعروف بابن الترجمان ولد بالجزائر سنة 1100 وكـان ينتمي إلى الشرف وزاحم العلماء بمناكبه في تحصيل أنواع العلومن وأجازه الشيخ سيدي محمد المنور التلمساني رحمه الله ودخل الروم مرارًا وحظي بأرباب الدولة وأتى إلى مصر وابتنى بها دارًا حسنة قرب الأزهر وكان يخبرعن نفسه أنه لا يستغني عن الجماع في كل يوم فلذلـك مـا كـان يخلـو عن امرأة أو اثنتين حتى في أسفاره. ولما ورد الأمير أحمد آغا أمينًا على دار الضرب بمصر المحروسة الذي صار فيما بعد باشا كان مختصًا بصحبته لا يفارقه ليلًا ولا نهارًا وله عليه إغداقات جميلة وهو حسن العشرة يعرف في لسانهم قليلًا وتوجـه إلـى دار السلطنة وكانت إذا ذاك حركة السفر إلى الجهاد كتب هذا عرضحالًا إلى السلطان مصطفى صورته: إن من قرأ استغاثة أبي مدين الغوت في صف الجهاد حصلت النصرة. وقدمه إلى السلطـان فاستحسـن أن يكـون صاحـب هذا العرض هو الذي يتوجه بنفسه ويقرأ هذه الاستغاثة تبركـًا ففاجئـه الأمر من حيث لا يحتسب وأخذ في الحال وكتب مع المجاهدين وتوجه رغمًا عن أنفـه ووصـل إلـى معسكر المسلمين وصار يقرأ فقدر الله الهزيمة على المسلمين لسوء تدبير أمراء العسكـر فأسـر مـع مـن أسر وذهب به إلى بلاد موسقو وبقي أسيرًا مدة ولم يغثه أحد بخلاصه ومات الشيخ الصالح العلامة علي الفيومي المالكي شيخ رواق أهل بلاده حضر دروس الشيخ إبراهيم الفيومي وشيخنا الشي علي الصعيدي ودرس برواقهم وكان سريع الإدراك متين الفهم لـه فـي علـم الكلـام بـاع طويـل. وتـزوج ابنـة الشيـخ أحمـد الحماقـي الحنفي وتوفى ثاني شهر رمضان من السنة ودفن بالمجاورين. ومات الشيخ الفاضل الصالح علي الشبيني الشافعي نزيل جرجا قرأ على جماعة من مشايخ عصـره وتكمـل فـي العربيـة والفقـه وتوجـه إلـى الصعيـد فخالـط أولـاد تمـام مـن الهوارة في بيج القرمون أحبـوه وسكـن عندهم مدة ثم سكن جرجا. وكان يتردد أحيانًا إلى مصر وكان كثير الاجتماع بصهرنا علي أفندي درويش المكتب وكان يحكي لي عنه أشياء كثيرة من مآثره من الصلاح والعلـم وحسـن المعشـرة ومعرفـة التجويـد ووجوه القراءات. فلما تغيرت أحوال الصعيد أتى المترجم إلـى مصـر وكان حسن المذاكرة والمرافقة مع مداومة الذكر وتلاوة القرآن غالبًا. توفي تاسع عشر رمضان في بيت بعض أحبابه بعلة البطن وصلى عليه الشيخ أحمد بن محمد الراشدي ودفن بالمجاورين. ومـات العمـدة الفاضل اللغوي الماهر المنشئ الأديب الشيخ عبد الله بن منصور التلباني الشافعي المعـروف بكاتـب المقاطعـة وهـو بـن أخـت الشيـخ المعمر أحمد بن شعبان الزعبلي ولد سنة 1098 تقريبًا وأدرك الطبقة الأولى من الشيوخ العزيزي والعشماوي والنفراوي. وكانت له معرفة تامة بعلم اللغة والقراءة واقتنى كتبًا نفيسة في سائر الفنون وكان سموحًا بإعارتهـا لأهلهـا وكـان يعرف مظنات المسائل في الكتب. وكان الأشياخ يجلونه ويعرفونه مقامه ولما دخل الشيخ ابن الطيـب أحبـه واغتبـط بـه وبصحبتـه وحصل حاشيته على القاموس في مجلدين حافلين استكتابًا وقـرظ علـى شـرح البديعـة لعلي بن تاج الدين القلعي ذكر فيه من نوع وسع الاطلاع له. ولم يزل حتى فاجأته المنون في ثالث عشرين شعبان من السنة وصلي عليه بالجامع الأزهر ودفـن شرقي مقام سيدي عبد الله المتوفى بالمجاورين رحمه الله. ومـات الأميـر الجليـل إبراهيـم أفنـدي الهياتـم جمليان مطعونًا في نهار الأربع ثالث عشرين المحرم من السنة. سنة ست وثمانين ومائة وألف فيهـا فـي المحـرم خـرج علـي بـك إلـى جهـة البساتيـن كمـا تقـدم فـي أواخـر العـام الماضـي وعمل متاريس ونصـب عليهـا المدافـع مـن البحـر إلـى الجبـل واجتهـد فـي تشهيل تجريدة وأميرها علي بك الطنطاوي وصحبتـه باقـي الأمـراء الذيـن قلدهـم والعسكر فعدوا في منتصفه لمحاربة محمد بك أبي الذهب واسمعيـل بك ومن معهما. وكانوا سائرين يريدون مصر فتلاقوا معهم عند بياضة ووقعت بينهم معركة قوية ظهر فيها فضل القاسمية وخصوصًا أتباع صالح بك وعلي أغا المعمار ووقعت الهزيمـة علـى عسكـر علي بك وساق خلفهم القبالي مسافة فمانعوا عن أنفسهم وعدوا على دير الطين وكان علي بك مقيمًا به فملما حصل ما حصل اشتد القهر بالمذكور وتحير في أمره وأظهـر التجلـد وأمـر بالاستعـداد وترتيب المدافع وأقام إلى آخر النهار وتفرق عنه غالب عساكره مـن المغاربـة وغيرهـم. وحضـر محمـد بـك إلى البر المقابل لعلي بك ونصب صيوانه وخيامه تجاهه فتفكـر علـي بـك فـي أمـره وركـب عنـد الغـروب وسـار إلـى جهـة مصـر ودخـل من باب القرافة وطلع إلـى بـاب العـزب فأقـام بـه حصـة مـن الليـل. وأشيـع بالمدينـة أن مراده المحاصرة بالقلعة. ثم أنه ركب إلى داره وحمل حموله وأمواله وخرج من مصـر وذهـب إلـى جهـة الشـام وذلـك ليلـة الخامـس والعشريـن مـن شهـر المحـرم وصحبتـه علـي بـك الطنطـاوي وباقـي صناجقـه ومماليكـه وأتباعـه وطوائفـه. فلمـا أصبح يوم الخميس سادس عشرينه عدى محمد بك إلى بر مصر وأوقدوا النار فـي ذلـك اليـوم فـي الديـر بعد ما نهبوه ودخل محمد بك إلى مصر وصار أميرها ونادى أصحاب الشرطة على أتباعه بأن لا أحد ياؤيهم ولا يتاويهم فكانت مدة غيبته سبعين يومًا. وأرسل عبـد الرحمـن أغـا مستحفظـان إلى عبد الله كتخدا الباشا فذهب إليه بداره وقبض عليه وقطع رأسه ونادى بإبطال المعاملة التي ضربها المذكور بيد رزق النصراني وهي قروش مفرد ومجوز وقطـع صغـار تصـرف بعشر أنصاف وخمسة أنصاف ونصف قرش. وكان أكثرها نحاسًا وعليها علامة علي بك. وأما من مات في هذه السنة من العظماء. فمات السيد الإمام العلامة الفقيه المحدث الفهامة الحسيب النسيب السيد علي بن موسى بن مصطفـى بـن محمـد بـن شمس الدين بن محب الدين بن كريم الدين بن بهاء الدين داود بن سليمان بـن شمـس الديـن ابـن بهـاء الديـن داود الكبيـر بـن عبـد الحفيظ بن أبي الوفاء محمد البدرى ابن أبي الحسـن علـي بـن شهـاب الديـن أحمـد بـن بهـاء الديـن داود بن عبد الحافظ ابن محمد بن بدر ساكن وادي النسـور بـن يوسـف بـن بـدران بـن يعقوب بن مطر بنزكي الدين سالم بن محمد بن محمد بن زيد بن حسن بن السيد عريض المرتضى الأكبر بن الإمام زيد الشهيد ابن الإمام علي زين العابدين ابن السيد الشهيد الإمام الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب الحسيني المقدسي الأزهري المصري ويعرف بابن النقيب لأن جدوده تولوا النقابة ببيت المقدس ولد تقريبًا سنة 125 ببيـت المقـدس وبهـا نشأ وقرأ القرآن على الشيخ مصطفى الأعرج المصري والشيخ موسى كبيبة علي عود ومحمد بن نسيبة الفضلي المكي وأخذ العلم عن عم أمه صاحب الكرامات حسين العلمـي نزيـل لـد وأبـي بكـر بـن أحمـد العلمـي مفتـي القـدس والشيخ عبد المعطي الخليلي ووصل إلى الشـام فحضـر دروس الشيـخ أحمـد المتيتـي والشيـخ اسمعيـل العجلوني والشيخ عبد الغني النابلسي واجتمع على الشيخ صالح البشيري الآخذ عن الخضر عليه السلام وعامر ابن نعير وأحمـد القطناني ومصطفى بن عمر والدمشقي. وكان من الأبدال وأحمد النحلاوي وكان من أرباب الكشف ومحمـد بـن عميـرة الدمشقـي وعمـران الدمشقـي وزيـد اليعبـداوي وخليفـة بـن علـي اليعبداوي ورضوان الزاوي وأحمد الصفدي المجذوب والشيخ مصطفى بن سوار ودخل حماة فأخـذ عن القطب السيد يس القادري وحلب فأخذ بها عن أحمد البني وعبد الرحمن السمان كلاهما من تلاميذ الشيخ أحمد الكتبي وعن الشيخ محمد بن هلال الرامهداني والشيخ عبد الكريم الشرباتي وعاد إلى بيت المقدس فاجتمع بالشيخ عبد الغني النابلسي أيضًا وبالسيد مصطفـى البكـري بحلـب حيـن كـان راجعـًا مـن بغداد فأخذ عنه الطريقة ورغبه في مصر فوردها وحضر على الشمس السجيني ومصطفى العزيزي والسيـد علـي الضريـر الحنفـي وأحمـد بـن مصطفى الصباغ والشهابين الملوى والجوهري والشمس الحنفي وأحمد العماوي وشيخ المذهب سليمان المنصوري وأجازه سيدي يوسف بن ناصر الدرعي وأحمد العربي وأحمد بن عبد اللطيف زروق وسيدي محمد العياشي الأطروش والشيخ ابن الطيب في آخريـن ورأس فـي المذهب وتمهر في الفنون ودرس بالمشهد الحسيني في التفسير والفقه والحديث واشتهر أمره وطـار صيتـه. وكـان فقيهـًا فـي المذهـب بارعًا في معرفة فنونه عارفًا بأصوله وفروعه ويستنبط الأحكام بجودة ذهنه وحسن حافظته ويكتب على الفتاوى برائق لفظه. وكانت له في النثر طريقـة غريبـة لا يتكلـف فـي الأسجـاع وإذا سئـل عـن مسألة كتب عليها الجواب أحسن من الروض جـاد بـن الغمـام وأغـزر مـن الوبـل ساعـده نـوء النعـام. ويكتـب فـي الترسل على سجية بادرة وفكرة علـى السرعـة صـاددة وكـان ذا جـود وسخـاء وكـرم ومروءة ووفاء لا يدخل في يده شيء من متاع الدنيا إلا وبذله لسائليه وأغدق به على معتفيه وكان منزله الذي قرب المشهد الحسيني موردًا للآملين ومحطًا لرجال الوافدين مع رغبته في الخيل المنسوبة وحسن معرفته لأنسابهـا وعـزوه لأربابها. وكان اصطبله دائمًا لا يخلو من اثنين أو ثلاثة يركب عليها ويضمرها ويعتني بأحوالها ويرغب في شرائها لمعرفته بالفروسية في رمي السهام واستعمال السلاح واللعب بالرماح وغير ذلـك. ولمـا ضـاق عليـه منزلـه لكثـرة الوفـاد عليـه ولكثـرة ميلـه إلـى ربـط الخيول انتقل إلى منزل واسع بالحسينيـة فـي طـرف البلـد بنـاء علـى أن الأطـراف مساكـن الأشـراف فسكنـه وعمـر فيـه وفـي الزاويـة التي قرب بيتـه وصـرف عليهـا مـالًا كثيـرًا. وفـي سنـة 1177 استخـار اللـه تعالـى فـي التوجـه إلـى دار السلطنة لأمور أوجبت رحلته إليها منها أنه ركبت عليه الديون وكثر مطالبوها وضاق صدره من عدم مساعدة الوقت له وكان إذ ذاك محل تدريسه بالمشهد الحسيني وعزم عبد الرحمن كتخـدا علـى هدمه وإنشائه على هذه الصورة ورأي أن هذه البطالة تستمر أشهرًا فوجد فرصة وتوجـه إليهـا وقـرأ دروسـًا فـي الحديـث فـي عـدة جوامـع واشتهـر هناك بالمحدث وأقبلت عليه الناس أفواجًا للتلقي وأحبته الأمراء وأرباب الدولة وصارت له هناك وجاهة. إلا أنه كان في درسه ينتقل تارة إلى الرد العنيف على أرباب الأموال والأكابر وملـوك الزمـان وينسبهـم إلـى الجـور والعـدوان وانحرافهـم عـن الحـق فوشى به الحاسدون فبرز الأمر بخروجه من البلد وكان قد تزوج هنـاك فعـاد إلـى مصـر. فلمـا وصل إلى بولاق ذهب إليه جماعة من الفضلاء واستقبلوه. واستقر في منزله وعاد إلى دروسه في المشهد وذلك سنة 1183 ولم يترك عادته المألوفة من إكرام الضيوف وبذل المعروف وكان لا يصبر على الجماع وعنده ثلاث نسوة شامية ومصرية ورومية وإذا خـرج إلـى الخـلاء أو بعض المنتزهات أخذ صحبته من يريدها منهن ونصب لها خيمة وألف الاغتسـال مـدة إقامتـه يومـًا أو يوميـن أو أكثـر. واتفـق لـه فـي آخـر أمـره أنه ذهب عند محمد بك أبي الذهب وكان في ضائقة فحادثه الأمير على سبيـل المباسطـة وقـال لـه: كيـف رأيـت أهـل اسلامبول فقال: لم يبق بإسلامبول ولا بمصر خير ولا يكرمون الأشرار الخلق وأما أهل العلم والأشراف فإنهم يموتـون جوعـًا. ففهـم الأميـر تعريضـه وأمـر لـه بمائـة ألـف نصـف فضـة مـن الضربخانة فقضى منها بعض ديونه وأنفق باقيها على الفقراء وعاش بعدها أربعين يومًا وتعلل بخراج أيامًا وأحضروا له رجلًا يهوديًا فقصده بمشتر قيل أنه مسموم فكان سببًا لموته. وتوفي عصـر يـوم الأحـد سـادس شهـر شعبـان مـن السنـة وجهـز فـي صبـح يـوم الاثنين وصلى عليه بالأزهر فـي مشهـد حافـل ودفـن بمقبـرة بـاب النصـر علـى أكمـة هنـاك. ولمـا مـات أحضـر له الناس من الأعيان عـدة أكفـان وكـل منهـم يريد أن لا يوضع إلا في كفنه فأخذوا من كل كفن قطعة وكفنوه في مجموع ذلـك جبـرًا لخواطرهـم. وأعطـى الأميـر محمـد بـك لأخيـه مولانـا السيـد بـدر الديـن عندمـا أخبـره بموته خمسمائة ريال لتجهيزه ولوازمه. وجلس مكانه في الدار أخوه السيد بدر المذكور وتصدره مكانه لإملاء درس الحديث النبوي بمسجـد المشهـد الحسينـي وأقبلـت عليـه النـاس والأعيـان ومشى على قدم أخيه وسار سيرًا حسنًا وجرى على نسقه وطبيعته في مكارم الأخلاق وإطعـام الطعـام وإكـرام الضيفان والتردد إلى الأعيان والأمراء والسعي في حوائج الناس والتصدي لأهل حارته وخطته في دعاويهم وفصل خصوماتهم وصلحهم والذب عنهم ومدافعة المتعدى عليهم ولو من الأمراء والحكام في شكاويهم وتشاجرهم وقضاياهم حتى صار مرجعًا وملجأ لهـم فـي أمورهـم ومقاصدهـم وصـار لـه وجاهـة ومنزلـة فـي قلوبهـم ويخشـون جانبه وصولته عليهم. ثم إنه هدم الزاوية وما بجانبها وأنشأها مسجدًا نفيسًا لطيفًا وعمل به منبرًا وخطبة ورتب به إمامًا وخطيبًا وخادمًا وجعل بجانبه ميضاه ومصلى لطيفة يسلك إليهما من باب مستقل وبها كراسي راحة وأنشأ بجانب المسجد دارًا نفيسة وانتقل إليهـا بعيالـه وتـرك الـدار التـي كانـت سكنه مع أخيه لأنها كانت بالأجرة وبنى لأخيه ضريحًا بداخل ذلك المسجد ونقله إليه وذلك سنة 1205. فلما كانت الحوادث سنة 1213 واستيلاء الفرنسيس على الديار المصرية وقيام سكـان الجهـة الشرقيـة مـن أهل البلد وهي القومة الأولى التي قتل فيها دبوي قائمقام تحركت في السيـد بدر الدين المذكور الحمية وجمع جموعه من أهل الحسينية والجهات البرانية وانتبذ لمحاربة الإفرنـج ومقاتلتهـم وبـذل جهـده فـي ذلـك. فلمـا ظهر الإفرنج على المسلمين لم يسع المذكور الإقامة وخرج فارًا إلى جهة البلاد الشامية وبيت المقدس وفحص عنه الإفرنج وبثوا خلفه الجواسيس فلم يدركـوه فعنـد ذلـك نهبـوا داره وهدمـوا منهـا طرفـًا وكـل تخريبهـا أوبـاش الناحيـة وخربـوا المسجـد وصـارت فـي ضمـن الأماكـن التـي خربهـا الفرنسيـس بهـدم مـا حـول السـور مـن الأبنية ثم في الواقعة الكبيرة الثانية عندما حضر الوزير والعساكر الرومية ورجعوا بعد نقض الصلح بدون طائـل كمـا يأتي تفصيل ذلك. فلما حضروا ثانيًا بمعونة الانكليز وتم الأمر وسافر الفرنسيس إلى بلادهم ورجع المذكور إلى مصر وشاهد ما حصل لداره ومسجده من التخريب أخذ في أسبـاب تعميرهمـا وتجديدهمـا حتـى أعادهمـا أحسن مما كانا عليه قبل ذلك وسكن بها وهو الآن بتاريـخ كتابـة هذا المجموع سنة 1220 قاطن بها ومحله مجمع شمل المحبين ومحط رحال القاصدين بارك الله فيه. ومات الفقيه المفنن العلامة الشيخ علي بن شمي الدين بن محمد بن زهران بن علي الشافعي الرشيـدي الشهير بالخضري ولد بالثغر سنة أربع وعشرين وأمه آمنة بنت الحاج عامر بن أحمد العراقي وأمها صالحة بنت الشريف الحـاج علـي زعيتـر أحـد أعيـان التجـار برشيـد حفـظ المترجـم الزبـد والخلاصـة وسبيـل السعـادة والمنهـج إلى الديات والجزرية والجوهرة وسمع علي الشيخ يوسـف القشاشـي الجزريـة وابـن عقيـل والقطـر وعلـى الشيـخ عبـد اللـه بـن مرعـي الشافعي في شوال سنة إحدى وأربعين جمع الجوامع والمنهج وألقى منه دروسًا بحضرته ومختضر السعد واللقاني على جوهرته وشرح ابنه عبـد السلـام والمنـاوي علـى الشمائـل والبخـاري وابـن حجـر علـى الأربعين والمواهب وعلى الشمس محمد بن عمر الزهيري معظم البخاري دراية والمواهب وابن عقيل والأشموني على الخلاصة وجمع الجوامع والمصنف على أم البراهين ونصف الغفراوي على الرسالة والبيضاوي إلى قوله تعالى وإذا وقع القول فكلمه بعد موته. وفي سنـة ثمـان وثلاثيـن وفـد علـى الثغـر الشيـخ عطيـة الأجهـوري فقـرأ عليـه العصـام فـي الاستعـارات مع الحفيد وعلى الشيخ محمـد الأدكـاوي شـرح السيطـوي علـى الخلاصـة والشنشـوري علـى الرحبيـة والتحريـر لشيخ الإسلام ثم قدم الجامع الأزهر سنة ثلاث وأربعين فجاور ثلاث سنوات فسمع علي الشيخ مصطفى العزيزي شرح المنهج مرتين والخطيب والشمائل وأجـازه بالإفتـاء والتدريس في رجب سنة ست وأربعين وكان به بارًا رحيمًا شفوقًا بمنزلة الوالد حتى بعد الوفاة: وجرت له معه وقائع كثيرة تدل على حسن توجهه له دون غيره من الطلبة: وسمـع علـى السيـد علـي الحنفـي الضريـر الأشمونـي وجمـع الجوامع والمغني وبعض المنفرجة والقسطلاني على البخارى وتصرف العزى وعلى الشمس محمد الدلجي المغني كله قراءة بحث والخطيـب وجمـع الجوامـع وعلى الشيخ علي قايتباي الخطيب فقط وعلى الشيخ الحفني الخطيب والمنهج وجمع الجوامع والأشموني ومختصر السعد وألفية المصطلح ومعراج الغيطي وعلى أخيه الشيـخ يوسـف الأشمونـي والمختصـر ورسالـة الوضـع وعلـى الشيـخ عطية الأجهوري المنهج والمختصر والسلم وعلى أحمد الشبراملسي الشافعي المختصر والتجرير وبعض العصام ومنظومة في أقسام الحديث الضعيف وعلى الشيخ محمد السجيني الشمائل وموضع من المنهج وأجازه الشيـخ الشبـراوي بالكتـب الستـة بعد أن سمع عليه بعضًا منها ورجع عن فتواه مرتين في وقفين وعلى الشيخ أحمد بن سابق الزعبلي النمهج كله مرتين وعلى الشيخ أحمد المكودى كبـرى السنوسي وبعض مختصره دراية وعلى الشيخ محمد المنور التلمساني شيخ المكودى المذكور أم البراهين دراية وعلى الشيخ أحمد العماوى المالكي بعض سنن أبي داود وجمع الجوامع والمغني والأزهريـة. ولمـا رجـع إلـى الثغـر لازم الشيخ شمس الدين الغوى خطيب جامع المحلي فسرد عليه معظـم متـن الزبـد والنمهـج وشرحـه والشنشورى ومتن العباب وهو الذي عرفه به وبطريق تركيب الفتاوى أسئلة وأجوبة. وكان يقول: لا بد للمبتلي بالإفتاء من العباب لوضوحه واستيعابه. وأجازه الشيخ شلبي البرلسي والشيخ عبد الدائم بن أحمد المالكي وأحمد بن أحمد بن قاسم الوني. ولـه مؤلفـات جليلـة منهـا شـرح لقطـة العجلـان وحاشيـة علـى شـرح الأربعيـن النوويـة للشبشيـرى أجـاد فيهـا كـل الإجـادة وقد رأيت كلًا منهما بالثغر عند ولده السيد أحمد توفي في خامس عشرين شعبان من السنة. ومات الشاب الصالح والنجيب الأريب الفالح العلامة المستعد النبيه الذكي الشيخ محمد بن عبد الواحد بن عبد الخالق البناني أبوه وجده وعمه من أعيان التجار والثروة بمصر نشأ في عفـة وصلاح وحفظ القرآن والمتون وحبب إليه طلب العلم فتقشف لذلك وتجرد ولازم الحضور والطلب ودأب واجتهد في التحصيل وسهـر الليـل وكـان لـه حافظـة جيـدة وفهـم حـاد وقـوة استعدادية وقابلية فأدرك في الزمن اليسير ما لم يدركه غيره في الزمن الكثير ولازم شيخنا الشيخ محمد الجناجي المعروف بالشافعي ملازمة كلية وتلقى عنه غالب تحصيله فـي الفقـه والمعقول والمنطق والاستعارات والمعاني والبيان والفرائض والحساب وشبـاك ابـن الهاثـم وغيـر ذلـك وحضـر دروس الشيـخ الصعيـدي والدرديـر وغيرهـم حتـى مهـر وأنجب ودرس واشتهر بالفضـل وعمـل الختـوم وحضـره أشيـاخ العصـر وشهـدوا بفضلـه وغـزارة علمه وانتظم في عداد أكابر المحصلين والمفيدين والمستفيدين ولم يزل هذا حاله حتى وافاه الحمام وانمحق بدره عند التمام ومـات مطعونـًا فـي هـذه السنـة وهـو مقتبـل الشبيبـة لـم يجـاوز الثلاثيـن عوضـه اللـه الجنـة وهو ابن عم الإمام العلامة الشيخ مصطفى بن محمد بن عبد الخالق من أعيان العلماء المشاهير بمصر الآن بارك الله فيه. ومات الفقيـه الفاضـل المحقـق الشيـخ أحمـد بـن أحمـد الحمامـي الشافعـي الأزهـري ولـد بمصـر واشتغـل بالعلـم مـن صغـره ومـال بكليتـه إليه وحبب إليه مجالسة أهله فلازم الشيخ عيسى البراوى حتـى مهـر وتفقـه عليه وحضر دروس الشمس الحفني والشيخ علي الصعيدى وغيرهما وأجـازوه وحـج فـي سنة خمس وثمانين مرافقًا لشيخنا الشيخ مصطفى الطائي ورجعا إلى مصر وتصدر للتدريس والإفتاء في حياة شيوخه ودرس وأفاد. وكان أكثر ملازمته لزاوية الشيخ الخضرى ويقرأ درسًا بالصرغتمشية وانتفع به جماعة وله حاشيـة علـى الشيـخ عبـد السلـام مفيدة وأخرى على الجامع الصغير للسيوطي لم تتـم وكـان ذا صلـاح وروع وخشيـة مـن اللـه وسكون ووقار. توفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول من السنة ودفن ثاني يوم بمشهد عظيم بالقرب من السادة المالكية. ومات الإمام الصوفي العارف المعمر الشيخ علي بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القدوس ابـن القطـب شمس الدين محمد الشناوى الروحي الأحمدى المعروف ببندق ولد قبل القرن وأخذ عن عميه محمد العالم وعلي المصري وهما عن عمهما الشمس محمد بن عبد القدوس الشهير بالدناطي عن ابن عمه الشهاب الخامي ومسكنهم بمحلة روح وهو شيخ مشايخ الأحمدية في عصره. وانتهت إليه الرياسة في زمنه وعاش كثيرًا حتى جاوز المائة ممتعًا بالحواس وكان له خلـوة فـي سطـح منزلـه ولهـا كـوة مستقبلـة طندتـا بيـن يديهـا فضاء واسع يرى منها آثار طندتا وهو مستقبـل القبلـة فـي حـال جلوسـه ونومـه ونظـره إلـى تلـك الكـوة. وأخبرنـي أولـاده أنـه هكذا هو مستمر علـى هـذه الطريقـة مـن مـدة طويلـة. توفـي فـي أوائـل جمـادى الأولـى مـن السنة واجتمع بمشهده غالب أهل البلاد من المشايخ والأعيان والصلحاء من الآفاق والسيد محمد مجاهد الأحمدي والشيخ محمد الموجه والسيد أحمد تقي الدين وغيرهم ودفن عند أسلافه بمحلة روح. ومـات الأميـر خليـل بـك ابـن إبراهيـم بـك بلفيـا تقلـد الإمـارة والصنجقية بعد موت والده وفتح بيتهم وأحيا ما آثرهم وكان أهلًا للإمارة ومحلًا للرئاسة وتقلد إمارة الحج في سنة إحدى وثمانين ورجع في أمن وسخاء وطلع أيضًا في السنة الثانية ومات بالحجاز ورجع بالحج أخوه عبد الرحمن أغا بلفيا. ومـات الأجـل المكـرم الرئيـس محمـد تابـع المرحـوم محمـد أوده باشـه طبـال مستحفظان ميسو الجداوي وهو زوج الجدة أم المرحوم الولد تزوج بها بعد موت الجد في سنة 1114 وقطن بها ببندر جدة وأولدها حسينًا ومحمدًا وتوفي سنة أربع وخمسين عن ولديه المذكورين وأخيهما محمـود مـن أبيهمـا وعتقائـه ومنهـم المترجـم قرباه ابن سيدة وهو العم حسين فأنجب وعانى التجارة ورئاسة المراكب الكبار ببحر القلزم حتى صار من أعيان النواخيـد الكبـار واشتهـر صيتـه وذكره وكثر ماله وبنى دارًا بمصر بجوار المدارس الصالحية واشترى المماليك والعبيد والجواري وصـار لـه دار بمصـر وبجـدة ولـم يـزل حتـى توفـي بالشـام وهـو راجـع إلـى مصـر ووصـل نعيـه فـي سابع عشرين ربيع الثاني رحمه الله. ومـات الخواجـا الصالـح المعمر الحاج محمد بن عبد العزيز البنداري وكان إنسانًا حسنًا وهو الذي عمر العمارة والمساكن بطندتا واشتهرت به. توفي في غرة ربيع أول بعد تعلل رحمه الله تعالى. سنة سبع وثمانين ومائة وألف فيها تواترت الأخبار والإرجافـات بمجـيء علـي بـك مـن البلـاد الشاميـة بجنـود الشـام وأولـاد الظاهر عمر فتهيأ محمد بك للقائه وبرز خيامه إلى جهة العادلية ونصب الصيوان الكبير هناك وهـو صيـوان صالـح بـك وهـو في غاية العظم والاتساع والعلو والارتفاع وجميعه بدوائره من جوخ صاية وبطانته بالأطلس الأحمر وطلائعه وعساكره من نحاس أصفر مموه بالذهب. فأقام يومين حتى تكامل خروج العسكر ووصل الخبر بوصول علي بك بجنوده إلى الصالحية فارتحل محمد بك في خامس شهر صفر فالتقيا بالصالحية وتحاربا فكانت الهزيمة على علي بك وأصابته جراحـة فـي وجهـه فسقـط عـن جواده فاحتاطوا به وحملوه إلى مخيم محمد بك وخرج إليه وتلقاء وقبل يده وحمله من تحت إبطه حتى أجلسه بصيوانه. وقتل علي بك الطنطاوي وسليمان كتخـدا وعمـر جاويـش وغيرهـم وذلـك يـوم الجمعـة ثامـن شهـر صفـر ووصل خبر ذلك إلى مصر في صبـح يـوم السبـت وحضـروا إلـى مصر وأنزل محمد بك أستاذه في منزله الكائن بالأزبكية بدرب عبد الحق وأجرى عليه الأطباء لمداواة جراحاته. وفي خامس عشر صفر وصل الحجاج ودخلوا إلى مصر وأمير الحاج إبراهيم بك محمد. وفـي تلـك الليلة توفي الأمير علي بك وذلك بعد وصوله بسبعة أيام قيل أنه سم في جراحاته فغسل وكفن ودفنوه عند أسلافه بالقرافة. وفي سابع عشر ربيع الأول وصل الوزير خليل باشا والي مصر واطلع إلى القلعة في موكب عظيم وذلك يوم الخميس تاسع عشرة وضربوا له مدافع وشنكا من الأبراج. وكان وصوله من طريق دمياط فعمل الديوان وخلع الخلع. ومات في هذه السنة الشيخ الإمام الصالح العلامة المفيد الشيخ أحمد ابن الشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسن الجوهري الخالدي الشافعي ولد بمصر سنة 1132 وبها نشأ وسمع الكثير من والده ومن شيخ الكل الشهاب الملوى وآخرين. وتصدر في حياة أبيه للتدريس وحج معـه وجـاور سنـة وكـان إنسانـًا حسنًا ذا مودة وبر وشهامة ومروءة تامة وأخلاق لطيفة. توفي بعد أن تعلـل أيامـًا فـي حـادي عشـرى ربيـع الـأول وصلـي عليـه بالجامـع الأزهر بمشهد حافل ودفن مع والده بالزاوية القادرية بدرب شمس الدولة. ومات المبجل المفضل الإمام العارف صاحب المعرف علي بن محمد بن القطب الكامل السيد محمـد مـراد الحسيني البخاري الأصل الدمشقي الحنفي ويعرف بالمرادي نسبة لجده المذكور ولد بدمشق وأخذ عن أبيه وغيره من العلماء كعلي بن صادق الداغستاني وغيره وكـان إنسانـًا عظيم الشأن ساطع البرهان طيب الأعراق كريم الأخلاق منزله مأوى القاصدين ومحط رجال الوارديـن وهـو والـد خليـل أفنـدي المفتي بدمشق نزل عنده السيد العيدروس فأكرمه وبره ولم يزل ومات الماهر الأديب الشاعر الكاتب المنشئ الشيخ إبراهيم بن محمد سعيد بن جعفر الحسني الإدريسـي المنوفـي المكـي الشافعـي ولـد فـي آخـر القـرن الحادي عشر بمكة وأخذ عن كبار العلماء كالبصـري والنخلـي وتـاج الدين القلعي والعجمي ثم من الطقة التي تليه مثل علي السخاوي وابن عقيلـة فـي آخريـن مـن الوارديـن علـى الحرميـن من آفاق البلاد وأعلى ما عنده إجازة الشيخ إبراهيم الكوراني له وله شعر نفيس وقد جمع في ديوان وبينه وبين السيد جعفـر البيثـي والسيـد العيدروس مخاطبات ومحاورات ودخلـل الهنـد بسفـارة صاحـب مكـة فأكـرم وعـاد إلـى مكـة وولي كتابة السر لملكها وكان يكاتب رجال الدولة على لسانه على اختلاف طبقاتهم وكان قلمه كلسانه سيالًا وربما شرع في كتابة سورة من القرآن وهو يتلو سورة أخرى بقدرها فلا يغلط في كتابته ولا في قراءته حتى تتما معًا وهذا من أعجب ما سمعت. وكان له مهارة ومعرفـة فـي علـم الطـب وأمـا إنشاءاتـه فإليهـا المنتهـي فـي العذوبـة وتناسـب القوافي. وأما في نظمه فهو فريد عصر لا يجاريه فيه مجار ولا يطاوله مطاول. ومات البارع المقرئ المجود المحدث الشيخ عبد القادر بن خليل بن عبد الله الرومي الأصـل المدني المعروف بكدك زاده ولـد بالمدينـة سنـة 1140 وبهـا نشـأ وحفـظ القـرآن وجـوده علـى شيخ القراء شمس الدين محمد السجاعي نزيل المدينة تلميذ البقري الكبير وحفظ الشاطبية واشتغل بالعلم على علماء بلده والواردين عليه سمع أكثر كتب الحديث على الشيخين ابن الطيـب ومحمـد حيـاة بقراءته عليهما في الأكثر ولازم الشيخ ابن الطيب ملازمة كلية حتى صار معيدًا لدروسه وكان حسن النغمة طيب الأداء ولي الخطابة والإمامة بالروضة المطهرة وكان ذا تقدم إلى المحراب في الصلوات الجهرية تزدحم عليه الخلق لسماع القرآن منه ثم ورد إلى مصر فأدرك الشيخ المعمر داود بن سليمان الخربتاوي فتلقى منه أشياء وأجـازه وذلـك فـي سنـة 168 وحضـر الشيـخ الملـوي والجوهـري والحنفـي والبليـدي وحمل عنهم الكثير وتزوج ثم توجه إلى الروم ثم عاد إلى المدينة فلم يقر له بها قرار ثم أتى إلى مصر ودار على الشيوخ البقية ثانيًا وأخذ عنهـم وأحبه السيد اسمعيل بن مصطفى الكماخي وصار يجلس عنده أيامًا في منزله الملاصق لجامع قوصون فشرع في أخذ خطابته له فاشترى له الوظيفة فخطب به على طريقة المدينة وازدحمت عليه الناس وراج أمره وتزوج ثم توجه إلى الروم وباع الوظيفة وانخلع عما كان عليه وجلس هناك مدة وسمع السلطان قراءته في بعض المواضع في حالة التبديل فأحب أن يكون إمامـًا لديـه وكـاد أن يتـم ذلك فأحس إمام السلطان بذلك فدعاه إلى منزله وسقاه شيئًا مما يفسد الصـوت حسدًا عليه فلما أحس بذلك خرج فارًا فعاد إلى مصر واشتغل بالحديث وشرع في عمل المعجم لشيوخه الذين أدركهم في بلده وفي رحلاته إلى البلاد. ودخل حلب فاجتمع بالشيخ أبي المواهب القادري وقرأ عليه شيئًا من الصحيح وأجازه وأخذ عن السيد المعمر إبراهيم بن محمد الطرابلسي النثيب ومن درويش مصطفى الملقي ودخل طرابلس الشام وأخذ الإجازة منن الشيخ عبد القادر الشكعاوي ودخل خادم " إحدى قرى الروم " فاجتمع بالشيخ المعـروف بمفتي خادم ورام أن يسمع منه الآولية فلم يجد عنده إسنادًا وإنما هو من أهل المعقول فقط ورجع إلى مصر فاجتمع بشيخنا السيد مرتضى وتلقى عنه الحديث واهتم في جمع رجاله وتمهر في الإسناد وجمع من ذلك شيئًا كثيرًا في مسودات بخطه ثم عاد إلى الحرمين ومنهما إلى أرض اليمن فاجتمع بمن بقي من الشيوخ وأخذ عنهم ودخل صنعاء ومدح كلًا من الوزير والإمام بقصيدة فأكرم بها واجتمع على علمائها وتلقى عنهم وصار بينه وبين الشيخ أحمد قاطن أحد علمائها محاورات ثم دخل كوكيان فاجتمع على فريد عصره السيد عبـد القادر بن أحمد الحسني من بيت الأئمة ودخل شبام فاجتمع على السيد إبراهيم بن عيسى الحسني واللحية فاجتمع بها على الشيخ عيسى زريق وذلك في سنة 1185 وعاد إلى مصر بالفوائد الغزار وبما حمل في طول غيبته من النوادر والأسرار وفي هذه الخطرات التي ذكرت دخل الصعيد من طريق القصير واجتمع على مشايخ عربان الهوارة ومدحهم بقصائد طنانة وأكرموه وله ديوان جمع فيه شعره ومدح به الأكابر والأولياء وكان عنده مسودة بخطه وهذا قبل أن يسافر إلى الشام والروم واليمن والصعيد فقد تحصل له في هذه السفرات كلام كثير مفـرق لـم يلحقـه بالديـوان وكـان كلمـا نـزل فـي موضـع ينشـئ فيه قصيدة غريبة في بابها وكان يغوص على المعاني بفكرة الثاقب فيستخرجها ويكسوها حلة الألفاظ ويبرزها أعجوبة تلعب بالعقول وتعمل عمل الشمول فلله دره من بليغ لم يبلغ معاصروه شأوه ولو أقام في موضع كغيره لاطلع ضياه ولكنه ألف الغربة وهانت عنده الكربة فلم ينال بخشن ولا لين ولم يكترث بصعب ولا هيـن وأجـازه الشيـخ محمـد السفارينـي إجـازة طويلـة في خمسة كراريس فيها فوائد جمة. وللم يزل تتنقل به الأحوال حتى سافر إلى القدس الشريف فمكث هناك قليلًا وزار المشاهد الكرام ومراقد الأنبياء عليهم السلام ثم ارتحل إلى نابلس فنزل في دار السيد موسى التميمي وهو إذ ذاك قاضـي البلـد فأكرمـه وآواه واحترمـه. ومـرض أيامـًا وانتقـل إلـى رحمـة اللـه تعالـى في سلخ جمادى الثانيـة منهـا ووصـل نعيـه إلـى مصر وكانت معه كتبه وما جمعه في سفره من شعره والعجم الذي جمعه في الشيوخ والأجراء والأماني التي حصلها وضاع ذلك جميعه ولله في خلقه ما أراد. ومات العمدة الشاب الصالح الشيخ محمد بن حسن الجزايرلي ثم المدني الحنفي الأزهري ولد بمكة إذ كان والده يتجر بالحرمين في حدود الستين وقد به إلى مصر فلازم الشيخ حسن المقدسـي مفتـي الحنفيـة ملازمـة كليـة وانضوى إليه فقرأ عليه المتون الفقهية ودرجه في أدنى زمن إلـى معرفـة طـرق الفتـوى حتـى كان معيدًا لدروسه وكاتبًا لسؤالاته وربما كتب على الفتوى بأذن شيخـه. وفـي أثنـاء ذلك حضر في المعقول على الشيخ الصعيدي والشيخ البيلي والشيخ محمد الأمير وغيرهما من مشايخ الوقت وحصـل طرفـًا مـن العلـوم وصـارت لـه الشهـرة فـي الجملـة وأعطاه شيخه تدريس الحديث بالصرغتمشية فكان في كل جمعة يقرأ فيه البخاري وزوجه امـرأة موسـرة لهـا بيـت بالأزبكيـة. وبعـد وفـاة شيخـه تصـدر للأقـراء فـي محلـه وصار ممن يشار إليه ولم يزل حتى مات في عنفوان شبابه في هذه السنة ويقال أن زوجته سمته. ومـات
|